عيد الفطر المبارك ومفهومه الإسلامي
هذا يوم من الأيام المباركة، جمعكم في صباحه على طهارة وتقوى، بعد أداء فريضة الصوم خلال شهر مضى بحمد الله، إنه يوم بر وإحسان ورحمة، فيه يحمد المسلمون ربهم الذي هداهم للإسلام ويشكرونه تعالى على توفيقهم للصيام، وينفقون مماّ أنعم الله عليهم على أنفسهم وأهلهم المحتاجين لنشر السرور والفرح بينهم، إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عباده. نعم شُرع العيد ليجدد فيه المسلمون عهد الصفاء والإخاء فلا يليق فيه الخصام والغل والحقد والحسد والإيذاء، وقطع صلة الرحم، وعقوق الوالدين، إنما العيد للمؤمن التقي ولمن عمل للآخرة ولم ينس نصيبه من الدنيا "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". لأن هذا اليوم من أيام الله المباركة، حيث يتسلم المسلمون من الله جائزة التوفيق لصومهم رمضان، فهنيئا بصومكم وإفطاركم وفرحكم، وإقبالكم في هذا الصباح بتكبير الله وشكره،
وإنه لأمر عظيم الحكمة أن يجعل الله سبحانه شعار العيد هذا التكبير الذي ترتفع به أصوات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، جميعهم هتافهم واحد، ووجهتهم واحدة وإحساسهم بالرضا واحد، ودعوتهم واحدة، إنه تعبير عن إيمان الأمة في يوم عيدها المبارك، ولعل ما امتاز به هذا اليوم أن الدعاء فيه مستجاب يقدره الله تصديقاً لقوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة186 . وليس ترتيب الآيات القرآنية في الخصوص بخالٍ من الحكمة وإنما هو ترتيب يعبر عن استحقاق الداعين لأن يستجيب الله لهم، أليسوا قد صاموا الشهر كله وقاموه؟ أليسوا قد أحسنوا إلى أنفسهم حين عصموا جوارحهم من ارتكاب المعاصي؟.. أليسوا قد لبوا نداء الله سبحانه وتعالى حين هبُّوا من رقادهم اليوم، مكبرين مهللين حامدين شاكرين؟ ثم أليسوا قد فرغوا من توزيع زكاة الفطر قبل أن يغدوا إلى صلاتهم، فجبروا الكسير، وأسعدوا البائس الفقير؟.. ثم أليسوا بهذا التصرف الجماعي البار لتعاونهم قد قضوا على صورة الفاقة في صباح عيد الفطر؟.. إنهم بهذا جديرون أن يستجاب لهم إذا ما دعوا الله سبحانه وتعالى وهو قريب منهم. عن ابن عباس قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" رواه أبوداود وابن ماجة. فهنيئاً لمن أداها، وهي دين على من وجبت عليه حتى يؤديها. فليس العيد لمن تزود بطيب الطعام وهو محروم من التقوى والمعنى الثاني ربطه بمناسبة عامة، هي الفراغ من أداء عبادة شاقة، وهذا الربط ذو مغزى عميق يتصل بنظرة الإسلام إلى العيد قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) الأنعام 162-163 . فالمؤمن -في الواقع- في شغل شاغل عن أمور الدنيا، بأمور الآخرة، بكل ما يقربه من الله سبحانه وتعالى، فهو إذا صام صام لله، وإذا عيّد عيّد لله، وإذا حج حج له، وإذا زكى زكى لله، وإذا صلى صلى لله، لا شريك له، والله سبحانه وتعالى يرصد له حسناته جميعاً حتى الخطوة التي يخطوها في سبيل الله، وهو في فكر دائم فيما يقربه من رضوان الله، ومن أجل هذا ينبغي على كل منا أن يكون احتفاله بالعيد موصولاً بمعالي الآخرة، غير مقتصر على مظاهر التسلية المؤقتة، وليس معنى هذا أن نمنع أولادنا وبناتنا من ممارسة بعض صنوف اللهو البريء خاصة ما يتصل بتربية ميول الخير والشجاعة في أنفسهم، بل إن لهم أن يعيشوا أوقاتا في الهواء والمكان العفيف، لأن ذك يريح أنفسهم، ويرطب جو الحياة حولهم، ليشبوا على احترام دينهم، والحرص على سلامة مجتمعهم. عن سعد بن أوس الأنصاري عن أبيه رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إذا كان يوم عيد الفطر وقفت الملائكة على أبواب الطرق فنادوا: اغدوا يا معشر المسلمين إلى ربٍّ كريم يمنّ بالخير ثم يثيب عليه الجزيل، لقد أمرتم بقيام الليل فقمتم وأمرتم بصيام النهار فصمتم وأطعتم ربكم، فاقبضوا جوائزكم، فإذا صلوا نادى مناد، ألا إن ربكم قد غفر لكم، فارجعوا راشدين إلى رحالكم، فهو يوم الجائزة، ويُسمى ذلك اليوم في السماء يوم الجائزة" رواه الطبراني.