الغرب يكتشف الإسلام من جديد

الغرب يكتشف الإسلام
من جديد






من رحم الظلام يبزغ ضوء الفجر، ففي الوقت الذي يحارب فيه الإسلام في
عقر داره، وبأيدي بعض المنتسبين إليه يطلع الأمل من بعيد، على يد مفكري
الغرب المنصفين للحقيقة . عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر اجتهد الغرب في
الهجوم على الإسلام بشتى الطرق والوسائل، واجتهدوا في عرض الإسلام على أنه
الدين المخالف لما هو مقبول من العقائد والأديان والشرائع، وأنه نموذج
للرجعية والتخلف والتعصب والعنف، وما ذلك إلا لأن الغرب يدرك تماماً مدى
قوة الإسلام وقوة عقيدته، فهو في نظرهم الخطر القادم الذي يجب الاحتياط منه
ومقاومته لأنهم يرون في أنفسهم المثل الأعلى الذي يجب أن يسود ويُحتذى
وليس الإسلام

ولكن: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ
خَيْرُ المَاكِرِينَ) الأنفال الآية 30 . فبدلاً من أن تحول تلك الإساءات
أنظار الغرب عن الإسلام لفتت أنظارهم إليه، فزاد إقبال الأوروبيين على
التعرف على الإسلام بصورة ملحوظة، كان الدافع في البداية هو الفضول لمعرفة
حقيقة هذا الدين المتهم بالإرهاب والعنف والتعصب، ثم تحول هذا الفضول إلى
اقتناع تام بأنه الدين الحق، فوجدوا فيه الراحة النفسية والحل لمشاكلهم
المادية والروحية . معنى ذلك أن الإسلام سيظل قوياً صامداً ولن تضعفه أية
إساءات أو حملات متعمدة لتشويهه، ويشاء الله أن تقضي الأزمة المالية
الحالية على مقولة "النموذج أو المثل الأعلى" التي فرضتها أمريكا على
العالم، سواءً كان هذا النموذج في نمط الحياة المرفه أو في نظام الاقتصاد
الرأسمالي الحر، أو في الحرية المطلقة في كل شيء . فسبحان الله العظيم، لقد
كان الإسلام حاضراً بقوة في هذه الأزمة فبدأ الخبراء الغربيون يتحدثون عن
تميز النظام الاقتصادي الإسلامي وتفرده، فقد تأكد لهم ان أسباب حدوث الأزمة
هي الأساليب والممارسات المالية التي يُحرمها الإسلام، فتغير الحال من
تشويه إعلامي للشريعة الإسلامية إلى اعتراف بعظمتها وقدرتها على حل الأزمة .
فنجد (رولاند لاكسين)، رئيس تحرير إحدى الصحف الفرنسية يكتب مقالاً تحت
عنوان: "هل حان الوقت لاعتماد مبادئ الشريعة الإسلامية في وول ستريت" يقول
فيه: "إذا كان قادتنا حقاً يسعون إلى الحد من المضاربة المالية التي تسببت
في الأزمة فلا شيء أكثر بساطة من تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية" . ويقول
(بوفيس فينست) رئيس تحرير مجلة تشالنجر (Challenger)، كبرى الصحف
الاقتصادية في أوروبا في افتتاحية المجلة: "أظن أننا بحاجة أكثر في هذه
الأزمة إلى قراءة القرآن الكريم، لفهم ما يحدث بنا وبمصارفنا، لأنه لو حاول
القائمون على مصارفنا احترام ما ورد في القرآن الكريم من أحكام وتعاليم
وطبقوها، ما حل بنا ما حل من كوارث وأزمات، وما وصل بنا الحال إلى هذا
الوضع المزري" . لا يعني هذا أن الغرب سيوقف حربه ضد الإسلام، فالغرب ماضٍ
في حربه ضد الإسلام ولن يتوقف، فالعداء للإسلام قديم قدم الرسالة النبوية،
يقول الله تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا
وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) آل عمران الآية 139، من
هنا يتوجب علينا جميعاً أن نكون مسلمين قولاً وفعلاً، وأن نتمسك بقرآننا
وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم حتى نصبح المرآة الصادقة التي تعكس الوجه
الحقيقي للإسلام أمام الشعوب الأوروبية جميعاً . المستشرق الألماني
بارتليمي هيلر يتوقف أمام بعض المواقف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ،
ومن ذلك أنه: لما وعد الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالحفظ في قوله
سبحانه: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) المائدة الآية 67، حينما
سمع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم هذا الوعد الإلهي صرف حراسه، يقول
هيلر: "والمرء لايكذب على نفسه، فلو كان لهذا القرآن مصدر غير السماء لأبقي
محمد على حراسته" . لقد اتخذ المستشرقون من مثل هذه الوقائع الثابتة في
حياة النبي صلى الله عليه وسلم أمثلة على صدق دعوته، ولعمرى إن حياته كلها
مصداق لنبوته ونبراس يضيء الطريق للسالكين على درب الحق والخير والإيمان .
ولقد فتش العالم الفرنسي "موريس بوكاى" الكتب السماوية مقارناً إياها
بنتائج العلم الحديث وحقائقه، وخرج من بحثه الطويل بنتيجتين ضمَّنهما كتابه
"التوراة والإنجيل والقرآن والعلم" وهما : < أن القرآن الكريم أكثر
الكتب السماوية ذكراً لحقائق العلم وإرشاداته . < وأن الحقائق العلمية
التي وردت في القرآن الكريم ـ على كثرتها ـ لم يكن من بينها إشارة واحدة
تتصادم مع حقائق العلم الحديث . وعلى النقيض من ذلك جاءت الإرشادات العلمية
في الكتب السماوية الأخرى قليلة متناثرة من حيث الكم، وأما من حيث مضمونها
فهي ضئيلة القيمة، بل كثيراً ما تتصادم مع الحقائق العلمية الراسخة. هذا
راوان ويليامز كبير أساقفة كانتربرى يصرَّح بضرورة تطبيق "بعض" جوانب
الشريعة الإسلامية في بريطانيا، مؤكداً أنه بنى رأيه هذا انطلاقاً من
"دراسة معمقة" لنصوص الشريعة الإسلامية، ولأحوال المسلمين في المجتمع
البريطاني والأوروبي. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ
أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) يوسف الآية 21 .