الكتاب والمكتبه في الاسلام

يكّن المسلمون للكتب كل تقدير وإجلال ، ويتحدث العربي المسلم عن الكتاب
فيظن القارئ أنه يتحدث عن صديق عزيز نما وده وزاد إخلاصه ، ومن ذلك : أرسل
أحد الخلفاء فى طلب بعض العلماء ليسامره ، فلما جاء الخادم إليه وجده جالسا
وحوله كتب يطالع فيها ، فقال له : إن أمير المؤمنين يستدعيك ، قال : قل له
: عندي قوم من الحكماء أحادثهم فإذا فرغت منهم حضرت . فـلما عاد الخادم
إلى الخليفة وأخبره بذلك ، قال له : ويحك من هؤلاء الحكماء الذين كانوا
عنده ؟ فقال : والله يا أمير المؤمنين ماكان عنده أحد ، قال : فأحضره
الساعة كيف كان ، فلما حضر ذلـك العالـم قـال لـه الخليفـة : مـن هـؤلاء
الحكماء الذين كانوا عندك ؟ قال 1: يا أمير المؤمنين :

هم جلساء
مانملّ حديثهم أمينون مأمونون غيبا ومشهدا إذا ماخلونا كان خير حديثهم
معينا على نفي الهموم مؤيدا يفيدوننا من علمهم علم مامضى وعقلا وتأديبا
ورأيا وسؤددا فلاريبة تخشى ولاسوء عشرة ولانتقي منهم لسانا ولا يدا فإن قلت
: أموات فلست بكاذب وإن قلت أحياء فلست مفنّدا فعلم الخليفة أنه يشير بذلك
إلى الكتب ولم ينكر عليه تأخره . ويقول المتنبي الشاعر الشهير : أعز مكان
فى الدنى سرج سابح وخير جليس فى الزمان كتاب وقال عبدالله بن أحمد بن
الخشاب : وذي أوجه لكنه غير بائح بسر ، وذي الوجهين للسر مظهر تناجيك
بالأسرار أسرار وجهه فتفهمها مادمت بالعين تنظر وترتب على هذا التقدير
والاحترام والإعجاب بالكتب وتفضيل العمل بها على أعظم المناصب، كما فعل
الصاحب بن عباد الذى فضّل أن يبقى بجانب مكتبته العامرة على أن يتولى أعظم
المناصب فى بلاط نوح بن منصور الساماني . وفى طرابلس الشام اهتم بنو عمار
اهتماما كبيرا بمكتباتهم وجمعوا فيها مجموعات ثمينة من الكتب فى مختلف
العلوم ، ووظفوا مختصين وتجارا ليجوبوا مختلف البلدان القريبة والبعيدة
ويحضروا لهم الكتب المفيدة . وفى الأندلس نشاط يثير العجب فى تكوين
المكتبات وحبها وتقديرها ، حتى أن الحكم صاحب الأندلس عندما سمع بكتاب
الأغاني أرسل لمصنفه أبي الفرج الأصفهاني ألف دينار من الذهب فبعث إليه
بنسخة منه قبل أن يخرجه فى العراق ، ولم يقف حب المكتبات وتقديرها والحرص
عليها عند العلماء والباحثين وإنما تعداهم إلى سواهم من عامة الناس وأصبح
وجود مكتبة بالمنزل من تمام زينته وتأثيثه . وقد جلب الرشيد وابنه المأمون
الكتب من جميع البلاد بطرق كثيرة من أنقرة وعمورية وقبرص والقسطنطينية
وبذلوا العطاء بسخاء للمترجمين ، فقد روي أن المأمون كان يعطي حنين بن
إسحاق من الذهب زنة ماينقله من الكتب إلى اللغة العربية مثلا بمثل . ومن
أشهر المترجمين يوحنا البطريق وقسطا بن يوقا البعلبكي وعبد المسيح بن ناعمة
الحمصي واسحاق بن حنين وثابت بن قرة ومتى بن يونس ويوحنا بن ماسويه
والحجاج بن مطر . واهتم المسلمون اهتماما كبيرا بأبنية المكتبات العامة
التى كانت تعد لاستقبال الجماهير ، وكان لنوافذها وأبوابها ستائر جميلة .
ويلاحظ أن موظفي المكتبات يختلفون باختلاف المكتبات وما إذا كانت صغيرة أو
كبيرة ، وهذا الاختلاف يشمل أنواع الوظائف وعدد الموظفين ، وعادة ما يكون
موظفو المكتبة على النحو التالي : 1- الخازن ( أمين المكتبة ) وهو الذى
يشرف على الناحية العلمية والناحية الإدارية فهو يمد المكتبة بالكتب
الجديدة ، ويلاحظ دقة الفهارس وحسن تنظيمها وشمولها وييسر للقراء عملهم ،
ويتم اختيار الخَزَنَة عادة من بين المثقفين ثقافة عالية ومنهم من هو حاصل
على درجات علمية عليا ومنهم سهل بن هارون وسعيد بن هارون وسَلَم خزنة لبيت
الحكمة الذى أنشأه الرشيد . وعلي بن يحيى المنجم خازن مكتبة الفتح بن خاقان
. وعلي بن محمد الشابشتي خازن مكتبة الفاطميين فى مصر . وابن مسكويه كان
خازنا لمكتبة ابن العميد . 2- المترجمون وقد أشرنا إلى بعضهم آنفا وفى
المكتبات كان لهم مكانهم المميز . 3- النساخ ، يتولون نسخ الكتب للمكتبة
وقد عرفوا بالدقة وجودة الخط ، وقلما خلت مكتبة ذات شأن من ناسخ أو نسّاخ
يعملون بها . 4- المناولون ووظيفتهم إرشاد القراء إلى مواضع الكتب فى
الرفوف أو إحضارها لهم . ومن أشهر المكتبات العامة : بيت الحكمة التى أسسها
هارون الرشيد ووصل نشاطها إلى ذروته أيام ابنه المأمون . وضم بيت الحكمة
كتبا وضعت فى الأصل بلغات مختلفة وترجم أكثرها إلى اللغة العربية . وبيت
الحكمة كان أول مكتبة عامة ذات شأن فى العالم الإسلامي ، وأول جامعة
إسلامية اجتمع فيها العلماء والباحثون والطلاب . وبيت الحكمة وغيرها من
المكتبات التى كانت تنتشر فى بغداد هى التى جعلت أبا العلاء المعري يحب
بغداد لما شغفته من خزائن الكتب فيها فضلا عن نشاط مجالسها العلمية، حيث
يتاح له حضور متألق جذاب فى مجتمع علماء ذاك الزمان. المكتبة الحيدرية
بالنجف وتحوي مجموعة من الكتب العربية والفارسية ومصاحف كتبت بخط جميل ،
كما توجد بها كتب ذات قيمة أدبية عظيمة . مكتبة ابن سوار بالبصرة ، التى
أسسها أبوعلي بن سوار وكان التدريس فيها إلى جانب الكتب . دار الحكمة
بالقاهرة وأنشأها الحاكم بأمر الله الفاطمي وحُملت الكتب إليها من خزائن
القصور المعمورة ، وقد عُرفت هذه المكتبة بالمناظرات بين المترددين إليها .
مكتبات المدارس ، كانت المدارس فى مصر وسوريا والعراق تتبعها مكتبات مزودة
بمجموعة من الكتب المهمة ، وقد حوت المدرسة النظامية ببغداد كل نفيس ومفيد
من الكتب والمخطوطات وكانت للمدرسة المستنصرية مكتبة منظمة نقل إليها فى
يوم افتتاحها من الربعات الشريفة والكتب النفيسة ماحمله مائة وستون حمالا
وقيل ان عدد هذه الكتب ثمانون ألف مجلد . وهناك المكتبات الخاصة التى
أنشأها العلماء والأدباء لاستعمالهم الخاص ، وهى تزخر بأنفس الكتب العلمية
والأدبية ومنها : مكتبة الفتح بن خاقان . مكتبة حنين بن إسحاق . مكتبة ابن
الخشاب . مكتبة الموفق بن المطران . مكتبة جمال الدين القفطي .