شارة بمولد النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة والإنجيل
يذهب معظم الباحثين إلى أن اسمه كان مكتوبا في التوراة والإنجيل ولكنهم محوه منهما عمداً حتى لا يكون له شأن لدى أتباع الأديان السابقة، وهو محمد بالعربية، في حين يذهب آخرون إلى أن نعته وصفته ذكرا في التوراة والإنجيل قال تعالى : (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) سورة البقرة الآية 146 . ولكن مع اختلاف العلماء، فإننا عند التأمل في هذه الآية، ندرك أن معرفة أهل الكتاب بأبنائهم،
يشمل أسماءهم وصفاتهم. شهادة التوراة والإنجيل ببعثته لقــد شهدت التوراة والإنجيل بنبوته صلى الله عليه وسلم ؛ حيث بشرت به كل الكتب التى أنزلت على مـوسـى وعيسـى عليهما الســلام، وقدر وردت نصوص في الكتب (المقدسة) في البشارة به ذكرت صفته وأمته، فقد ورد في التوراة مثلا: "سوف أقيم لهم نبيا مثلك من بين إخوانهم، واجعل كلامي في فيه، ويكلمهم بكل شيء آمره به ومن لم يطع كلامه الذي يتكلم به باسمي فأنا أكون المنتقم من ذلك". والمسيحيون في توضيح هذا النص، قالوا بعد ذلك إن النبي المبشر به المذكور في النص هو المسيح عيسى عليه السلام. أما اليهود: فزعموا أن المراد به (شمويل)، وأنه من بني إسرائيل، وطائفة من اليهود يرون أنه نبي يبعثه الله في آخر الزمان يقيم به ملك اليهود ويعلو به شأنهم وهم ينتظرونه حتى الآن، أما علماء المسلمين فيرون أن المراد بالنبي المذكور في النص هو محمد صلى الله عليه وسلم ؛ لأن قوله “سوف أقيم لهم نبيا” لاشك أن المراد به الإقرار بنبوة الرسول، إذ المخاطب هنا هو موسى عليه السلام وهو نبي ورسول، ومن كان مثله فهو نبي ورسول؛ وأما قوله: “من بين إخوانهم” صريح في أنه محمد عليه الصلاة والسلام.ثم إن اليهود كانوا يسمون العرب بالأميين ، وقد اطلق الله لفظ الأمي على الرسول . شهادة الإنجيل ببعثته في تلك الفترة جاء يوحنا المعمدان يكراز في برية اليهود قائلا: "توبوا إلي ؛ لأنه قد اقترب ملكوت السموات". فقوله قد اقترب ملكوت السموات إشارة إلى محمد عليه الصلاة والسلام، كما هو بشارة قرب بعثته إذ هو الذي ملك وحكم بشريعة الله . ومنه أيضا قول المسيح في الإنجيل: "أنطلق لأني إن لم أنطلق لم يأتكم (الباريقليط) فأما إن انطلقت أرسلته إليكم فإذا جاء ذاك يوبخ العالم على خطيئته". فهذه الجملة الباريقليط هو محمد صلى الله عليه وسلم . الأدلة العقلية والنقلية على ذكر اسمه في الكتب المنزلة ذكر العلماء عدة أوجه تثبت لنا أنه مذكور في الكتب المنزلة، وذلك إخبار من قد ثبتت نبوته قطعا بأنه مذكور عندهم في كتبهم، وأنه جعل الإخبار به من أعظم الأدلة الصادقة على صحة نبوته، وأن المؤمنين من الأحبار والرهبان الذين تمسكوا بالحق دون الباطل صدقوه في ذلك وشهدوا بما قال. ومع أن بعضهم أنكروا نبوته فإنهم لم ينكروا البشارة والإخبار بنبوة نبي عظيم الشأن، صفته كذا وصفة أمته كذا، كما أن كثيرا من أهل الكتاب صرحوا بألسنتهم ورأوه بأم أعينهم بأنه هو بعينه، ثم إن الإخبار به هو كشأن أنبيائهم وقومهم وما جرى لهم من قصص الأنبياء المتقدمين وأممهم. وأخبر به المشركون الذين لا كتاب لهم، ولو كانت نبوته باطلة لما أخبر بها المشركون، ثم إن عدم علم اليهود المتأخرين بنبوته وصفته لا يعني عدم صحة نبوته، إذ ليس كل ما قاله الأنبياء المتقدمون وصل إلى اليهود المتأخرين واحيطوا به علما، فكم من قول قاله موسى وعيسى عليهما السلام ولا علم لليهود والنصارى به. قد يكون اسمه في نسخ أخرى غير الموجودة معهم حاليا، ومما يثبت لنا نبوته أنه استشهد على نبوته جماعة من علماء أهل الكتاب، وإذا كان الدجال، وهو كاذب على السكوت عن الإخبار بهذا الأمر العظيم. لما كان ظهوره تصديقا للتوراة، فسنة الله في رسله أن السابق يبشر باللاحق، واللاحق يصدق السابق، كما أن اليهود والنصارى لا يمكنهم أن يثبتوا للمسيح فضيلة ولا نبوة إذا كفروا بمحمد، بدليل أن الأنبياء المتقدمين بشروا بنبوته، وأمروا أممهم بالإيمان به، وأن دعوته دعوة جميع المرسلين قبله من أولهم إلى آخرهم. ثم إذا كان لايمنع عقلا وشرعا أنه قد أرسل من قبله الرسل فلا يمنع كذلك أيضا أن يرسله الله رسولا، ولما كان حامدا سمي محمدا. وفي شعر حسان بن ثاتب : أغـر، عـليـه للــنــبــوة خــــــاتـم من الله ميمــــون يلـوح ويشهد وضم الإله اسم النبي إلى اسمه إذ قال في الخمس المؤذن أشهد وشـق لــه من اسـمــه ليــجــلــــه فذو العرش محمود وهذا محمد وقد وبخ الله أهل الكتاب بالكتمان والتحريف لصفة النبي صلى الله عليه وسلم فقال تعالى : (يَاأَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) سورة آل عمران الآية 71 . وكان تحريفهم متمثلا في خلط الحق بالباطل، وكتمان الحق، اخفاؤه، وتحريف الكلم عن مواضعه، أو لي اللسان به ليلتبس على السامع اللفظ المنزل بغيره. ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم لو لم يظهر لبطلت نبوة سائر الأنبياء فظهور نبوته تصديق وشهادة لها بالصدق؛ ولذا بشر به المرسلون وأخبروا بمجيئه. قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) ســورة الـصف الآية 6. ومما يثبت لنا صحة نبوته ما ظهر على يده من معجزات: مثل انشقاق القمر، وأنه رد عين قتادة التي وقعت على وجنته يوم أحد، نفثه في عيني علي اللتين رمدتا يوم خيبر فبرئتا كأن لم يكن بهما شيء أبدا، وانكسرت ساق ابن الحكم يوم بدر فنفث عليها فبرئت، نطق الشجر له عليه السلام، وحنين جذع النخلة له، دعاؤه على كسرى يتمزق ملكه فتمزق، ودعاؤه لابن عباس بالتفقه في الدين، فكان الفقيه العالم لهذه الأمة، تكثير الطعام بدعائه، الإسراء والمعراج، القرآن الكريم هو أعظم ما أوتي من معجزات.
تراوري مصطفى / غينيا