العلم في المشروع الحضاري الإسلامي
يشكل العلم ـ بصورته الشاملة ـ عنصرا هاما من عناصر المشروع الحضاري الإسلامي ، وتأتي العلوم التجريبية والتقنية على رأس أولويات النهضة الإسلامية المرجوة، ذلك أن أحد أسباب هزيمتنا وانحطاطنا الحضاري يرجع إلى إهمال الأخذ بأسباب العلم عموما والعلوم التجريبية خصوصا ، والتفوق الأوروبي الهائل علينا هو في جوهره تفوق علم وتكنولوجيا , صحيح أن العلم في المشروع الحضاري الإسلامي يستخدم لصالح الإنسان ولتحقيق أكبر قدر من السعادة لكل البشر ، ولا يكون على حساب البيئة أو الكائنات الأخرى أو موجها لتحقيق أكبر قدر من المنفعة اللا أخلاقية على حساب الإنسان ، أو لحساب مجموعة من البشر على حساب باقي البشر .
ولا تناقض هناك بين الإسلام والعلم ، بل إن الإسلام يحض على العلم ، وقد شهدت العلوم جميعا وخاصة التجريبية منها ازدهارا واسعا في ظل الحضارة الإسلامية أيام ازدهارها ، وكانت هذه العلوم هي الأساس الذى قامت عليه النهضة العلمية في أوروبا . ولا شك أن نشر العلم والحصول على أحدث الحقائق العلمية والوسائل التقنية واجب شرعي ، أيا كان مصدر ومكان هذا العلم " .. ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة " ( رواه مسلم ) ، "الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها " ، وفي هذا الصدد فإننا ندرك أن الحضارة الأوروبية لن تقدم العلم لنا بسهولة لأنها تريد باستمرار أن نظل متخلفين وخاضعين ، علينا أن ننتزع هذا العلم انتزاعا، لاحظ أن أمريكا حاكمت المهندس المصري عبد القادر حلمي بتهمة سرقة التقنية الأمريكية . وعلى كل مسلم أن يفعل ما يستطيع للحصول على العلم، ويعمل على تعليم الآخرين لأن من يحجب العلم آثم شرعا وبالتالي فإن التعليم هنا يصبح واجبا شرعيا وغاية لترقية الأمة والإنسانية وليس مجرد الحصول على خبرات علمية تحقق لصاحبها الكسب الشخصي والرقي الفردي أو الحصول على مركز اجتماعي أو مكاسب مادية . وتعليم الآخرين واجب شرعي كذلك ، وعلينا أن نستفيد بخبرات المسلمين المتغربين في أوروبا وأمريكا وغيرها ووضع خطة طموحة للاستفادة من خبرات هؤلاء العلماء. ويجب أيضا أن يكون محو الأمية أولوية لدى المسلمين لأنه من العار علينا ونحن أمة (اقرأ) أن يكون بيننا من لا يعرف القراءة و الكتابة ، ورسولنا الكريم يقول (إنما بعثت معلما). رسول الإسلام يقرر أن ساعة من دروس العلم خير من سبعين ساعة عبادة ، ومداد العلماء يوزن يوم القيامة بدماء الشهداء ، أي أن العلم والتعلم هو وحد الذي يعادل مقام الجهاد والاستشهاد وهو مقام رفيع كما نعرف ، ولعلنا نلفت إلى المعنى المتضمن في كون أول آية نزلت من القرآن الكريم هي ( إقرأ) وهي دعوة مباشرة لتقديم العلم والتعلم على ما عداه . والآيات التي تحض على العلم في القرآن الكريم تزيد عن 750 آية في حين أن تلك المتعلقة بالفقه حوالي 150 فقط، وكذلك هناك الآيات التي تحض على السير في الأرض والنظر في علومها المختلفة كالأحياء والجيولوجيا والجغرافيا وغيرها : ( قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت الآية 20 .
د.محمد مورو/مصر