التطرف وكيف عالجه الإسلام
وقف الإسلام بين أمري التفريط والإفراط، موقف الوسطية في كل أوامره ونواهيه، ذلك أن الإسلام دين الوسطية والاعتدال والاستقامة، وهو دين يزن الأمور ويضعها في حجمها ونصابها، لأنه جاء ليلبي حاجات الناس ورغباتهم، وليراعي مصالحهم، ويدرأ المفاسد عنهم، ولكن أفعال الناس، تنسب عادة إلى الدين ذاته، فإذا غلا امرؤ في دينه فشدد على نفسه، وعلى الناس وجار في الحكم على الخلق، نسب الناس ذلك إلى دينه، فصار فعله ذريعة للقدح في الدين، لعدم معرفتهم أن الإسلام شيء والمنتسبين إليه شيء آخر. إن الغلو في الدين في العصر الحديث شوه الدين الإسلامي الحنيف،
ونفر الناس منه، وفتح الأبواب للطعن فيه، فتجرأ أناس على أفعال اعتدائية، وأقوال طغيانية على الإسلام، لم يكونوا ليجرءوا عليها لولا وجود الغلو والغلاة، المنتمين إلى الإسلام بأسمائهم المزيفة. والاعتدال في الأمور هو منهج الإسلام في تشريع أحكامه، عقيدة وعبادة ومعاملة، ومنهج الله في خلق الكون، ومنهج الرسول صلى الله عليه وسلم في عرض الدعوة على الناس، وكل أعمال عنفٍ وتطرف، وغلو، يمارسها إنسان أو ينسبها إلى الإسلام هي ليست من الإسلام في شيء لأنها بعيدة عن منهج الله في خلقه، وبعيدة عن روح الإسلام ومقاصده، وبعيدة عن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم ومسلكه في الدعوة يقول الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة الآية 143 . ولقد نهى الله تعالى عن تعدي الحدود، وتجاوزها، بعد أن شرع حكمه، وحلل حلاله، وحرم حرامه، وبعد أن وضع الحد الفاصل بين طرفي حكمه (افعل، لاتفعل) في كتابه العزيز فقال: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا) البقرة الآية 187، وقال: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة الآية 229، ثم قال: (وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) النساء الآية 14 . والحدود التي ورد النهي عن تجاوزها في هذه الآيات، هي الفاصل بين الأمور الجائزة، والأمور المحرمة، وتعدي الأمور الجائزة يؤدي إلى الوقوع في الأمور المحرمة، يقول الإمام بن قيّم الجوزية: (ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان: إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إلى إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه، والغالي فيه، كالوادي بين جبلين، والهدى بين ضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين، فكما أن الجافي عن الأمر مضيع له، فالغالي فيه مضيع له، هذا بتقصيره عن الحد، وهذا بتجاوزه الحد). إن الاستقامة في الدين والاعتدال فيه هو السبيل الأوضح، والمنهج السليم الذي أمر الله المسلمين بأن يسيروا عليه، في جميع نشاطاتهم وتصرفاتهم، وفي عباداتهم ومعاملاتهم مع الآخرين، والغلو والتطرف والعنف ليست منهجاً صحيحاً، ولا مسلكاً سليماً، لما سيترتب عليه من نتائج سلبية، ومردود سيء ترجع عقباه إلى الندم، ولذلك يأمر الله رسوله والذين آمنوا معه بالاستقامة والاعتدال الذي هو المنهج الصحيح، وفي الوقت نفسه ينهاهم عن الغلو والطغيان في الدين، فقال: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) هود الآية 112، وفي آية أخرى قال: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ) المائدة الآية 77، فهذا الخطاب وإن كان موجهاً لأهل الكتاب، فهو يشمل المسلمين كذلك، لأن ما حرمه الله تعالى في كتابه على أهل الكتاب هو حرام على جميع المسلمين، وما نهاهم عنه نهى لجميع المسلمين، وقد وردت أحاديث كثيرة على هذا النهي منها: (إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم بالغلو في الدين)، وعن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وابشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدُلجة)، وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هلك المتنطعون، قالها ثلاثاً)، قال الإمام النووي رحمه الله: المتنطعون (المتعمقون المغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم). المراجع: ــــــــــــــــــــــــــــــــــ 1 ـ القرآن الكريم. 2 ـ أسباب الإرهاب والعنف والتطرف دراسة تحليلية، أسماء بنت عبدالعزيز الحسين. 3 ـ عوامل التطرف والغلو والإرهاب، وعلاجها في ضوء القرآن والسنة، الشيخ خالد عبد الرحمن العك.